الشاعر عبدالرحمن عمالو يصدر أول ديوان شعر في الجزائر بطريقة برايل

ظم ديوان “رياض الفتح” بالجزائر العاصمة مؤخراً في إطار المهرجان الدولي الرابع لأدب الشباب، ندوة استضاف فيها الشاعر عبد الرحمن عمالو لتقديم مجموعته الشعرية الجديدة “الكلمات.. الآلام” والتي كتبت بطريقة “برايل” الخاصة بالمكفوفين، كما استضاف إلى جانبه الدكتور ياسين ميرة، أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، وموهوب بوسكسو، رئيس جمعية “ابتسامة” لذوي الاحتياجات الخاصة، وفتِّيس علجية، مديرة مركز صغار المكفوفين بالعاشور بالجزائر العاصمة.

قلة الكتبٌ

بحضور العديد من المهتمين بالثقافة وكذا المكفوفين، استهل الشاعر عمالو الندوة بالتأكيد على ضرورة اهتمام المثقفين بفئة المكفوفين، حيث أن كُتب “البرايل” الموجهة لهذه الفئة قليلة جدا ولا تُشبع حاجتهم إلى المطالعة والمعرفة، وأضاف أنه فضل مخاطبة هذه الفئة للتعبير عن انشغالاتها وآلامها وحتى تشعر أن هناك من يهتم لأمرها، وقد وجّه لها رسائل عديدة ستجدها في ثنايا الكتاب، داعياً في الأخير الجمعيات والأدباء والسلطات إلى الاهتمام أكثر بالمكفوفين وباقي الفئات المنتمية إلى ذوي الاحتياجات الخاصة وتحسُّس معاناتهم وانشغالاتهم ومساعدتهم بكل الوسائل المتاحة لتفجير طاقاتهم والتعبير عن قدراتهم وكذا الاندماج الجيد في المجتمع.

وتناول الدكتور ياسين ميرة، وهو مكفوف بدوره، الكلمة ليثني كثيراً على مبادرة الشاعر عمالو، وقال إنها أثلجت صدور المكفوفين وخلفت ارتياحاً عميقاً في نفوسهم، لاسيما وأن المؤلفات الموجهة لهذه الفئة في المكتبات الجزائرية قليلة جدا، و”البراي” وسيلة فعالة للمكفوف لتوسيع مداركه ومعارفه، ودعا ميرة المكفوفين إلى ضرورة التحلي بالإرادة والعزيمة لتحقيق النجاح، مؤكدا أن المُعاق الحقيقي هو فقط الشخص المستسلم المسلوب الإرادة.

حدث ثقافي مهمّ

من جهته، أثنى موهوب بوسكسو على مبادرة الشاعر عمالو، وقال إن الشاعر يحترم مشاعر المكفوف وكرامته وإرادته وصبره، ودعا بوسكسو السلطات إلى الاهتمام أكثر بذوي الاحتياجات الخاصة، وقال “نريد أشياء ملموسة لمصلحتهم.. نحن بعيدون جدا عن تلبية احتياجاتهم”.

أما مديرة مركز المكفوفين فتأسفت في البداية على غياب تلاميذ مدرستها عن “هذا الحدث الثقافي الهام الذي يخصهم” وأضافت أن المدرسة تتوفر على مكتبة سمعية لفائدة المكفوفين، ولكنها تعتقد أن المطالعة عن طريق البراي “شيء آخر” فهي “مهمة جدا لتطوير معارف المكفوف”.

واعتبرت كتاب عمالو “هدية ثمينة للمكفوفين وبخاصة الأطفال منهم” وقالت إنه “نور بالنسبة إليهم ينير طريقهم نحو المعرفة، ونتمنى أن لا ينطفئ”.

أول كتاب في العالم

وبعد نهاية الندوة، سألت “الاتحاد” الشاعر عمالو حول فكرة الكتابة للمكفوفين بلغة “برايل وكيف راودته”؟ فأجاب بأنه شعر بأن هذه الفئة مهمشة ثقافياً؛ فليس هناك دواوين أو روايات وكتب أدبية موجهة إليها، فقرر الكتابة لها، ولاسيما وأن عدد المكفوفين كبيرٌ وهم بحاجة إلى إشباع حاجتهم إلى المطالعة كغيرهم من فئات المجتمع، وقد تمّ طبعُ 3 آلاف نسخة من الديوان الذي يضمّ سبع قصائد من الشعر الحرّ، وهي مبادرة أولى ستعقبها مبادرات أخرى مستقبلاً، والكتابُ موجّه أساساً إلى تلاميذ مدرسة صغار المكفوفين بالعاشور، وهي مدرستهم الوحيدة. وأضاف عمالو أن الكتاب نُشر بالعربية والفرنسية والإسبانية وسيصدر قريباً بالأمازيغية ليكون بذلك أول كتاب في العالم يصدر بهذه اللغة بطريقة “برايل”، وختم عمالو بالقول “المكفوف بشر ويجب الاهتمام به كغيره”. من جهته، قال الدكتور ياسين ميرة، أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، إن هذه الندوة هي الأولى من نوعها، حيث نُظمت لتقديم كتاب “برايل” كبقية الكتب دون فرق، وأضاف “الآن يمكن القول إن الثقافة أصبحت متاحة للجميع دون تمييز أو تهميش” ودعا ميرة إلى تشجيع المثقفين المكفوفين من خلال الاهتمام بكتاب “برايل” وتوفيره في المكتبات المدرسية والجامعية والعامة، إذ تخلو المكتبة الجامعية تماماً من كتاب “البراي”، وخلُص ميرة إلى القول “الدولة قدّمت العديد من المنجزات للمكفوفين، ولكن يبقى الكثيرُ لإنجازه، وهذا حق لنا”. أما مديرة مدرسة المكفوفين فتِّيس علجية فأكدت أن المبادرة تأتي لتعزز دور المطالعة التي تتراجع باستمرار أمام السمعي البصري لدى مختلف فئات المجتمع، وأضافت “لقد زار الشاعر عمالو مدرستنا وقدَّم 40 نسخة من كتابه لصغار المكفوفين، فكانت مفاجأة سارة للجميع، لقد فرحوا بالديوان إلى درجة أن هناك من بكى وهو يتلمس كلماته الشاعرية الرقيقة التي تخاطبهم.

حق المكفوف في المعرفة

وجهت مديرة مدرسة المكفوفين فتِّيس علجية، نداءً لكل المثقفين والكتّاب الجزائريين للاقتداء بالشاعر عمالو والسعي إلى إصدار نسخ من آخر أعمالهم بطريقة “برايل” حتى تمتلأ مكتبة المكفوفين بهذه النوعية من الكتب ويروون تعطشهم إلى المطالعة والمعرفة والاطلاع على آخر الإصدارات الأدبية دون واسطة، خاصة وأن الإمكانات المادية الآن متوفرة عما كانت عليه من قبل، كما وجهت نداءً لدور النشر والجمعيات والسلطات لدعم هذا النوع من الكتاب لضمان حق المكفوفين في المطالعة والمعرفة وإثراء المكتبة الوطنية بالمزيد من مؤلفات “برايل”.